البطل الحقيقي لاجتماع FOMC الليلة الماضية: ليس خفض الفائدة، بل إيقاف QT

شهد سوق العملات الرقمية العالمي الليلة الماضية وصباح اليوم عرضاً مثالياً لسوء الفهم الكلي.

المتداولون سمعوا فقط "الموسيقى التصويرية" المتشددة من باول، لكنهم تجاهلوا يده التي خففت فعلياً من "إغلاق الصنبور".

قدم الاحتياطي الفيدرالي هدية مزدوجة متساهلة للسوق: "خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس + وقف تقليص الميزانية (QT)"، وكان من المفترض أن يحتفل السوق. ومع ذلك، وبسبب بعض التحذيرات الشفهية من باول حول "عدم اليقين في ديسمبر"، صوّت السوق بأقدامه، فانخفض سعر Bitcoin مؤقتاً دون 110,000 دولار، وفقد Ethereum مستوى 3820 دولاراً.

لماذا تجاهل السوق هذه الإيجابية الهيكلية المتمثلة في "تخفيف الصمام"، وبدلاً من ذلك هرب مذعوراً بسبب بعض التحذيرات الشفهية؟

“الضباب”: صندوق البيانات الأسود وانقسام الصقور والحمائم

دعونا نعيد مراجعة هذا الفهم الخاطئ للسوق. هناك نقطتان أشعلتا الموقف: الأولى هي الاعتراف بالخلافات الداخلية، والثانية هي التأكيد على ضبابية البيانات.

خلافاً للعادة، نقل باول بوضوح انقسام اللجنة. وأكد أن خفض الفائدة في ديسمبر ليس أمراً محسوماً، بل و"وجه" السوق بشكل نادر: "لا ينبغي للسوق أن يعتبر خفض الفائدة في ديسمبر أمراً محسوماً — فالحقيقة ليست كذلك."

هذا الانقسام حقيقي. شهد تصويت الليلة الماضية انقساماً ثلاثياً: العضو Miran طالب بخفض حاد للفائدة بمقدار 50 نقطة أساس، بينما عارض رئيس الاحتياطي الفيدرالي في كانساس Schmid الخفض. هذا الصراع بين الصقور والحمائم سببه أن الاحتياطي الفيدرالي ممزق بين مخاطر متعاكسة.

بيان FOMC وتصريحات باول كلاهما أشارا إلى نفس العقدة: إنها معضلة بين ارتفاع التضخم وتراجع التوظيف.

• مخاطر الصعود: التضخم لا يزال مرتفعاً.
• مخاطر الهبوط: مخاطر تراجع التوظيف تتزايد.

والأسوأ من ذلك، أن توقف الحكومة أدى إلى فقدان بيانات التوظيف لشهر سبتمبر، فأصبح الاحتياطي الفيدرالي "أعمى". استخدم باول بنفسه تشبيهاً: "إذا كنت تقود السيارة في ضباب كثيف، ستبطئ سرعتك."

سوق العملات الرقمية يكره عدم اليقين أكثر من أي شيء. عندما كشف باول هشاشة التوافق حول التيسير في ديسمبر، واعترف بأنه يقود في ضباب كثيف، باع المتداولون قصيرو الأجل الأخبار بشكل غريزي.

ومع ذلك، كان هذا رد فعل انعكاسي نموذجي. فقد غطت الشكوك قصيرة الأجل على السوق، وتجاهل اللاعب الحقيقي — إعلان الاحتياطي الفيدرالي إنهاء QT.

البطل الحقيقي: لماذا يجب تخفيف "يد إغلاق الصنبور"؟

خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هو إجراء روتيني، أما إنهاء QT فهو تحول هيكلي عميق الأثر.

ما هو QT؟ إنه إغلاق الصنبور بإحكام. على مدى السنوات الثلاث والنصف الماضية، ظل الاحتياطي الفيدرالي يغلق الصنبور، وسحب 2.2 تريليون دولار من السيولة من النظام المالي، وكان هذا أحد العوامل الرئيسية في التصحيح العميق لسوق العملات الرقمية في هذه الدورة.

الآن، قام باول بنفسه بتخفيف هذا الصمام الذي ظل مغلقاً بإحكام.

لماذا الآن؟ ليس لتحفيز الاقتصاد. هذا قرار دفاعي وليس تيسيرياً هجومياً.

شرح باول أن مستوى الاحتياطيات في النظام المصرفي وصل إلى الحد الأدنى الذي حددوه بأنه "وفير".

بعبارة أخرى: أنابيب النظام المالي بدأت تصدر أصوات صرير.

هذا التقييم ليس من فراغ، بل أكده وول ستريت. فقد أصدر محللا BofA، Mark Cabana وKatie Craig، مؤخراً تقريراً أكثر جرأة: يعتقدان أن الاحتياطي الفيدرالي لن يوقف QT فقط، بل قد يحتاج إلى "توسيع الميزانية" فوراً.

يوضح هذا الرسم البياني من BofA (كما في الصورة أعلاه) بشكل مثالي "التحول الدفاعي" لباول:

• تُظهر "منحنى طلب الاحتياطيات" أنه عندما تكون الاحتياطيات في منطقة "Abundant" (وفيرة)، يكون سعر الفائدة في سوق المال (المحور الرأسي) مسطحاً، وثابتاً بالقرب من IORB (سعر الفائدة على الاحتياطيات الزائدة).
• ولكن مع تقدم QT، يتحرك رصيد الاحتياطيات (المحور الأفقي) إلى اليسار، ويدخل منطقة "Ample" (كافية). هنا، يبدأ المنحنى في الانحدار — ويصبح سعر الفائدة أكثر "حساسية" لانخفاض الاحتياطيات.
• إشارات التحذير التي ذكرها باول (مثل TGCR، النقطة الحمراء في الرسم) هي بالضبط الأضواء الحمراء التي تضيء في منطقة "Ample". إنها تحذر الاحتياطي الفيدرالي من أنه إذا لم يخفف قبضته، سينزلق النظام إلى منطقة "Scarce" (نادرة) — وهي الجزء الأكثر انحداراً من المنحنى، مما قد يؤدي إلى أزمة "شح السيولة" كما حدث في 2019.

الإشارات الثلاث التي أشار إليها باول تظهر بوضوح في هذه الصورة كأضواء حمراء:

• ارتفاع سعر إعادة الشراء (TGCR)
• زيادة استخدام SRF (تسهيلات إعادة الشراء الدائمة)
• ارتفاع سعر الفائدة الفيدرالي الفعلي (EFFR)

بالنسبة للمستثمرين العاديين، قد تبدو هذه المصطلحات بعيدة. لكن بالنسبة للبنك المركزي، هذه أضواء تحذير على المحرك. تعني أن الاقتراض بين البنوك أصبح أصعب، وأن "زيت التشحيم" (الاحتياطيات) في النظام لم يعد كافياً. وأشار باول إلى أن حدة التوتر في الأسابيع الثلاثة الأخيرة قد ازدادت بشكل ملحوظ.

هذا يذكرنا بأزمة سوق إعادة الشراء في سبتمبر 2019. حينها، كان الاحتياطي الفيدرالي أيضاً يغلق الصنبور (QT)، وتجاهل إشارات التحذير، مما أدى إلى "شح السيولة"، واضطر للانعكاس الطارئ (التحول إلى QE).

استفاد باول من الدرس الليلة الماضية. اختار أن يخفف قبضته قبل انفجار الأنابيب — فأوقف تقليص 5 مليارات دولار من سندات الخزانة و35 مليار دولار من MBS شهرياً. كما ذكر تقرير BofA، فإن هذا الإجراء من الاحتياطي الفيدرالي يهدف إلى "تجنب تكرار التقلبات الحادة في سوق إعادة الشراء عام 2019".

لماذا يتصرف كحمامة ويتحدث كصقر؟

أكبر نقطة تناقض هي: إذا كان قد اعترف بالفعل بالفعل (تخفيف الصمام)، فلماذا لا يزال يتحدث بهذه القوة؟

لأنه مضطر لذلك. باول محاصر في مأزق سياسي.

تخيل لو أنه كان مزدوج التيسير الليلة الماضية (أنهى QT ووعد بخفض الفائدة في ديسمبر)، لارتفعت الأسواق فوراً، وأصبحت الظروف المالية متساهلة للغاية، وكل جهود مكافحة التضخم في العامين الماضيين ستذهب سدى.

لذا، اختار باول استراتيجية منقسمة:

• فعلياً (إنهاء QT): خضع للاستقرار المالي، لتجنب تكرار سيناريو 2019. هذا هو الجوهر الداخلي.
• خطابياً (إجابات متشددة): هاجم توقعات التضخم، وخفف من حماس السوق بالتأكيد على عدم اليقين. هذا هو المظهر الخارجي.

حاول باول موازنة أفعاله الحمائمية بتصريحات صقورية. ثقته في فعل ذلك تأتي من اعتقاده بأن التضخم بات تحت السيطرة. كشف عن رقم رئيسي: بعد استبعاد تأثير الرسوم الجمركية، بلغ مؤشر PCE الأساسي حوالي 2.3% إلى 2.4% — وهو ليس بعيداً عن هدف 2%.

لسوء الحظ، سوق العملات الرقمية العاطفي والرافعي لم يسمع سوى التصريحات الصقورية، وأسقط المعنى العميق للأفعال الحمائمية.

في الواقع، يتوقع تقرير BofA أن إجراءات الاحتياطي الفيدرالي قد تتجاوز إعلان "وقف QT" الليلة الماضية. يتوقعون أن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي قريباً "عمليات السوق المفتوحة الدورية" (TOMO) التي استخدمها في 2019، لضخ سيولة تصل إلى 500 مليار دولار عبر عمليات إعادة الشراء.

إذا تحقق هذا التوقع، فلن يكون الأمر مجرد "تخفيف الصمام"، بل سيكون "فتح الصنبور نصفه".

هبوط ثم صعود: شد وجذب بين الضوضاء والإشارة

الانخفاض الذي حدث الليلة الماضية وصباح اليوم كان رد فعل قصير الأجل مدفوعاً بـ"الضوضاء" (التصريحات الصقورية). لكن كما حللنا، فإن "الإشارة" الحقيقية (إنهاء QT) تشير إلى اتجاه معاكس تماماً على المدى الطويل.

هذا الشد والجذب بين الضوضاء والإشارة يرسم بوضوح مسار تطور سوق العملات الرقمية "الهبوط أولاً ثم الصعود".

• الهبوط أولاً (قصير الأجل): مدفوع بالضوضاء. كسر باول حالة الرضا في السوق حول خفض الفائدة في ديسمبر. قبل أن يتبدد ضباب البيانات، ستتضخم تقلبات السوق. وباعتبار سوق العملات الرقمية أصلاً عالي بيتا، فإنه يضطر إلى التحوط على المدى القصير وامتصاص العلاوة. هذا يفسر الانخفاض هذا الصباح.
• الصعود لاحقاً (متوسط إلى طويل الأجل): مدفوع بالإشارة. إنهاء QT هو أوضح إشارة على نهاية دورة التشديد الحالية.

سواء كان الأمر كما قال باول "وقف QT"، أو كما توقع BofA "بدء TOMO"، فإن الحقيقة الأساسية واضحة: مستوى السيولة توقف عن الانخفاض، وهذا يمثل دعماً هيكلياً طويل الأجل لجميع الأصول المعتمدة على السيولة (خاصة Bitcoin).

مقدمة النهاية: من "الدفاع" إلى "التيسير"

تحول باول الدفاعي هو مجرد استراحة بين الشوطين. هو الآن "الحارس" — يحمي من عودة التضخم، ويحمي من انهيار النظام (اعترف بأنه يراقب عن كثب حالات التخلف عن السداد في القروض الثانوية)، ويحاول تحقيق هبوط سلس وسط ضباب البيانات.

لكن السوق دائماً ينظر إلى الأمام. توازن باول لا يلبي شهية الاقتصاد القائم على الديون. التيسير الفائق الحقيقي — المرحلة التالية التي ذكرتها — لن يأتي من باول الذي أخافته شبح التضخم.

بدأ السوق بالفعل في تحويل أنظاره إلى الرئيس القادم للاحتياطي الفيدرالي. بغض النظر عمن يخلفه، ستكون مهمته الأساسية على الأرجح التحول من مكافحة التضخم إلى خدمة المالية العامة.

عندما تتلاشى استقلالية السياسة النقدية، وتصبح أداة للإرادة السياسية وعجز المالية العامة، عندها يكون السرد الحقيقي للعملات الرقمية. Bitcoin مثل الذهب، وجوده هو التحوط ضد المصير الحتمي لنظام العملات الورقية.

بالنسبة لمستثمري العملات الرقمية، الأهم هو تمييز الإشارة وسط الضوضاء.

"هل سيتم خفض الفائدة في ديسمبر" هو ضوضاء، أما "وقف تقليص الميزانية في 1 ديسمبر" فهو الإشارة.

ضبابية باول الصقورية ليست سوى غطاء مؤقت لأفعاله الحمائمية. عندما يفيق السوق من ذعره قصير الأجل، سيدرك في النهاية: أن الصمام الذي ظل مغلقاً وكبح الأصول الخطرة لما يقرب من ثلاث سنوات، قد تم تخفيفه فعلاً.