تغرق فرنسا أكثر في الأزمة السياسية، فهل ستكون الخطوة التالية لماكرون "إنقاذ الذات" أم "تدمير الذات"؟

استقال رئيس وزراء فرنسا، لوكورني، بشكل مفاجئ بعد 27 يومًا فقط من توليه المنصب، مما وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام معضلة سياسية جديدة ضخمة. هذا الحليف القديم لماكرون ووزير الدفاع السابق استقال يوم الاثنين، حتى قبل أن تتاح له الفرصة للإعلان عن خطة عمل حكومته الجديدة.

وأشار إلى أنه بعد التفاوض مع أحزاب المعارضة، لم يرغب أي من الأحزاب في تقديم تنازلات بشأن الميزانية والمتطلبات السياسية، مما جعله يشعر بعدم القدرة على قيادة هذه الحكومة اليمينية الوسطى ذات الأقلية.

قال لوكورني: "كل حزب يتصرف كما لو كان يمتلك الأغلبية في البرلمان"، وأكد أن "شروط البقاء في المنصب لم تعد متوفرة".

الأزمة الحالية في فرنسا هي إلى حد كبير من صنع ماكرون نفسه. فقد قام العام الماضي بحل البرلمان على أمل جلب "الوضوح" للجمعية الوطنية المنقسمة، لكن نتائج الانتخابات اللاحقة أدت إلى مزيد من الجمود السياسي وصراعات السلطة. لم يرغب ماكرون في تسليم قيادة الحكومة لأي طرف، بل عين مقربين منه لقيادة حكومة أقلية، لكن هذه الحكومات كانت عرضة لحجب الثقة من قبل أحزاب المعارضة.

حكومة لوكورني القصيرة العمر هي ثالث حكومة تنهار بعد حكومتي بارنييه وبيرو. والقاسم المشترك بين هذه الحكومات الثلاث هو صعوبة التوصل إلى اتفاق مع الأحزاب الأخرى بشأن ميزانية الدولة، خاصة فيما يتعلق بتقليص الإنفاق وزيادة الضرائب اللازمة للسيطرة على عجز الميزانية الفرنسية. بلغ عجز ميزانية فرنسا لعام 2024 نسبة 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP).

في تطور غير متوقع، منح ماكرون مساء الاثنين لوكورني 48 ساعة إضافية لإجراء "مفاوضات نهائية" مع أحزاب المعارضة في محاولة لكسر الجمود. وكتب لوكورني أنه سيطلع ماكرون على أي اختراق محتمل مساء الأربعاء "حتى يتمكن من استخلاص جميع الاستنتاجات اللازمة".

الخطوة التالية لماكرون

يواجه ماكرون الآن "كرة نار"، وأيًا كان الخيار الذي سيتخذه، فمن غير المرجح أن يكون سهلاً على هذا الرئيس الذي يواجه صعوبات. وقد أكد ماكرون مرارًا أنه لن يستقيل، لأن الاستقالة ستؤدي إلى إجراء انتخابات رئاسية كان من المقرر إجراؤها في 2027.

يمكن لماكرون تعيين رئيس وزراء آخر، وقد يكون هذا هو سادس رئيس وزراء في أقل من عامين. ومع ذلك، فإن اختيار رئيس وزراء من خارج معسكره السياسي سيكون خيارًا غير مريح ومحرج بالنسبة له، لأنه اختار في العام الماضي دائمًا مقربين منه لقيادة الحكومة.

أو يمكنه حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، لكن هذا الخيار ليس جذابًا أيضًا لماكرون. إذ تشير الاستطلاعات الحالية إلى أن حزب التجمع الوطني المناهض للهجرة بقيادة لوبان يتصدر استطلاعات الرأي بنسبة دعم تبلغ حوالي 32%، بينما تحالف اليسار "الجبهة الشعبية الجديدة" يحظى بدعم حوالي 25%.

يعتقد المحللون أن ماكرون من غير المرجح أن يختار الاستقالة. وقال أستاذ العلوم السياسية في INSEAD، دوغلاس ييتس، في مقابلة يوم الاثنين: "اتخاذ القرار الصحيح أمر خطير جدًا بالنسبة له، وبالطبع، لا يرغب في التخلي عن السلطة. أستطيع أن أؤكد اليوم أن ماكرون لن يعلن استقالته، لذا فإن أبسط شيء هو تعيين رئيس وزراء آخر، وهو يفعل ذلك كثيرًا كما يغير ملابسه، وإذا لم يستمر رئيس الوزراء الجديد لفترة طويلة، يمكنه تعيين آخر. هذه هي ميزة النظام بالنسبة له."

ييتس لا يعتقد أن ماكرون سيجري انتخابات جديدة، وأضاف، "لأن آخر مرة فعل ذلك كانت النتائج كارثية للغاية." وأي استطلاع جديد سيعكس مرة أخرى الطبيعة المستقطبة للسياسة الفرنسية، وسيتخلى الناخبون عن حزبه ويصوتون حسب قناعاتهم، سواء لليسار أو اليمين."

اليسار أم اليمين؟

تشير الشائعات إلى أن ماكرون قد يخاطر بتعيين رئيس وزراء ليس من داخل نظامه السياسي، ومن الممكن أن يختار شخصًا من الحزب الاشتراكي اليساري المعتدل.

من غير المرجح أن يختار ماكرون مرشحًا من حزب فرنسا الأبية اليساري المتطرف أو حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، لأن كلا الحزبين دعيا ماكرون إلى الاستقالة يوم الاثنين.

قال ييتس: "حتى الآن، اختار الأشخاص الخطأ، ومن خلال اختياره لشخصيات وسطية، أبعد اليسار واليمين،وأعتقد أنه سيكون من الأفضل له تقديم بعض التنازلات لليسار المعتدل، لأن هؤلاء يمكن أن يساعدوه في تشكيل الحكومة وربما تجنب المساءلة، لذا أعتقد أن شخصًا من الحزب الاشتراكي قد يكون الأكثر قبولًا، وربما حتى أحد مرشحي حزب الخضر."

مأزق الميزانية المالية

مع استمرار الجمود السياسي في باريس، لا يزال مشروع ميزانية 2026 معلقًا. ويعتقد الاقتصاديون أن احتمالية دمج ميزانية هذا العام كحل مؤقت في ميزانية العام المقبل تزداد يومًا بعد يوم.

قال ياسين رويمي من Deutsche Bank يوم الاثنين الماضي إنه إذا انهارت الحكومة كما هو الحال الآن، فقد تعمل فرنسا بموجب قانون خاص، "يحافظ على الإنفاق قريبًا من إطار عام 2025، وعندها سيقع العجز بين 5.0% و5.4% من الناتج المحلي الإجمالي." وأضاف رويمي: "قد نشهد قريبًا انتخابات جديدة."

إذا اختار ماكرون تعيين رئيس وزراء جديد من حزب مختلف (مثل الحزب الاشتراكي)، فهذا يعني أن الإصلاحات أو خطط خفض الإنفاق التي اقترحتها الحكومات السابقة وفشلت قد يتم "تقليصها وتخفيضها" أكثر.

وأشار الاقتصادي في UniCredit، سالومون فيدلر، في تعليق عبر البريد الإلكتروني يوم الاثنين إلى أن ماكرون "قد يعين رئيس وزراء من يسار الوسط (أو حتى من اليمين المتطرف). ومع ذلك، من المرجح أن يؤدي ذلك إلى تراجع مؤلم في إصلاحاته الهيكلية المؤيدة للنمو (مثل رفع سن التقاعد) وقد يؤدي إلى تدهور مالي."